وصلنا من العضو ( طالب علم ) جزاه الله عنا خيرا
الاستغفار يعتبر من أجل العبادات ، وأفضل الطاعات ، فهو الطريق الأمثل للسمو الحقيقي والارتقاء الفعلي ، فبدونه لا يسمو الانسان أبداً ، وقد كان أشرف الخلق دائب الاستغفار ، ، ودائم التذكر له والذكر به ليعلمنا الطريق الحقيقي للسمو الفعّال ، يقول : " والله إني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " ( البخاري ) ، وفي رواية مسلم : مائة مرة ، وكان الصحابة يتعلمون منه الاستغفار عملياً في مجالسهم فلا يتخذونها للتسلية الفارغة أو اللغو الباطل ، يقول ابن عمر رضي الله عنهما : ان كنا لنعد لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة : رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم " ( أبوداود والحاكم ) ، ولم يكتف بهذا بل بيّن لأمته أسمى أنواع الاستغفار والذي لو تأمله المسلم وطبقه تطبيقاً صحيحاً لنال خيري الدنيا والآخرة ، يقول : سيد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، قال : ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة . ( البخاري ) .
ومن المهم أن نوضح بأن الاستغفار الذي يؤدي إلى السمو الحقيقي ليس كلمات تقال باللسان دون تأثير في القلب والوجدان ، وإلا فإننا نجد ملايين المسلمين يدندنون بهذه الكلمات ليل نهار ، وواقع الحال ما نرى ونشاهد من انحدار الامة وتدهورها ووقوع العذاب بها – إلا من رحم ربي – وقد قال تعالى : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " الأنفال 33 ، فالاستغفار هو المخرج من حالة العذاب الذي تعانيه الأمة ، وهو في نفس الوقت يحقق لها الأمن النفسي والاجتماعي والاقتصادي ... الخ نجد مصداق ذلك في قوله تعالى : " فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا " نوح 10 – 12 . وهذا كله تستفيد منه الأمة في حالة تحقيقها لشرائط الاستغفار الإيمانية من استقامة والتزام ووعي وفهم واتباع للمنهج السليم الصحيح .
إذن فالاستغفار الحقيقي هو الذي يلامس شغاف قلوبنا ، ويؤدي إلى تغير في سلوكنا ، والتغير هنا في اتجاه واحد إلى أعلى ونعني به الابتعاد عن كل ما يخالف الكتاب والسنة ، والاستغفار الذي نقصده ينبغي أن يشمل كل مجال من مجالات الحياة ، الاعلام والاقتصاد والقانون .. الخ فاستغفار الاعلام يكون بتسخيره لخدمة قضايا الأمة وبث القيم الاسلامية فيها وترسيخ ركائز النصر الايمانية في بنيانها ، والابتعاد بها عن مواطن الفتنة وتحذيرها من الغلو والتطرف ، ومحاصرة كل أنواع الفكر المنحرف الذي يحاول اتخاذ الاسلام ذريعة والاسلام منه براء . وكذلك استغفار الاقتصاد يكون بتحرره من ربقة الربا والمعاملات المخالفة للشريعة ، وهكذا شتى مجالات الحياة . وقد قال بعض السلف : استغفار بلا اقلاع توبة الكذابين ، إن الاقلاع معناه التغيير والاستجابة للمنهج الاسلامي والتسامي عن شهوات الدنيا وزخرفها والبعد عن وساوس الشيطان واتباع آيات الرحمن والعمل بها والدعوة لها واتخاذها منهج حياة ، والقرآن الكريم قد أمر بالاستغفار في آيات كثيرة ، وما ذاك إلا لأهميته القصوى وضرورته لحياة الأمة ، يقول تعالى : " هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب " هود 61 . ويقول تعالى : " فاستقيموا إليه واستغفروه " فصلت 6 . وقوله تعالى : " ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير وان استغفروا ربكم ثم توبوا إليه " هود 3 .
والاستغفار من أبرز صفات المتقين كما جاء في كتاب رب العالمين ، يقول تعالى : إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ، كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالاسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم " الذاريات 15 – 19 . ومدحهم المولى عز وجل فقال تعالى : " والمستغفرين بالأسحار " آل عمران 17 ، وقد جاء في الصحيحين أهمية وقت السحر وفضيلته الكبرى يقول : ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فاستجيب له ، ومن يسألني فأعطيه ، ومن يستغفرني فاغفر له " ، وفي رواية لمسلم : " فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر " ، ولهذا نريد ان يكون الاستغفار هو البرنامج اليومي الملازم لكل مسلم ومسلمة ، لا نغفل عنه أبداً ، نسأل الله أن يكشف الغمة ويضاعف الهمة وينصر الأمة ، ويرزقنا الاستغفار مدرارا ، قولاً وعملاً ، سيرة وسلوكاً إنه سميع مجيب .